11/12/2018
أكد جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية عدم صحة فيديو تناقلته وسائط التواصل الاجتماعي يحذر فيه المتحدث من الخليط الأولي Premix الذي يضاف إلى دقيق الحنطة أو القمح، حيث تم الادعاء بأن هناك أضرارا" ستتحقق نتيجة إضافة ذلك الخليط إلى دقيق القمح، مؤكداً ان الفيديو يحمل مغالطات كبيرة وغير مستندة إلى أسس علمية صحيحة.
وأوضح الجهاز أن مقطع الفيديو يخلط بين عمليات التبييض Bleaching والتدعيم Fortification واضافة محسنات الخبز Bread Improvers ، حيث تجري تلك العمليات على دقيق القمح المعد لإنتاج المخبوزات لتحقيق أهداف مختلفة، كما احتوى المقطع على عدة مغالطات ومبالغات، حيث تهدف عملية التبييض Bleaching الى تحويل لون دقيق القمح من اللون الأبيض المصفر إلى اللون الأبيض، بينما تهدف عملية التدعيم Fortification إلى إضافة بعض العناصر الغذائية النزرة "الفيتامينات والمعادن" من خلال اضافة خليط من تلك العناصر يسمى Premix من أجل إثراء الدقيق بتلك العناصر التي يتم فقدها أثناء عملية تكرير دقيق القمح، حيث يتم إزالة القشور والأجزاء الصلبة عن حبة القمح، وعليه فإن عملية التدعيم Fortification ترمي إلى تحسين الحالة التغذوية للمجتمع والتقليل من حالات العوز الغذائي فيه.
تهدف عملية اضافة محسنات الخبز Bread Improvers الى دقيق القمح الى اضفاء الخواص الحسية المرغوبة للمخبوزات مثل الطراوة والمرونة وتحسين خواص وقت العجن وتقليل المطاطية وتسريع عملية التخمر.
التفصيل:
احتوى المقطع على عدة مغالطات ومبالغات وأخطاء علمية وكما يأتي:
1- خلط المقطع بين عملية القصر أو التبييض Bleaching التي تتم لدقيق القمح وبين إضافة الخليط الأولي Premix الى الدقيق والتي تسمى عملية التدعيم أو ال إثراءFortification حيث تجدر الاشارة الى أن الخلط بين عمليتين منفصلتين لتحقيق هدفين مختلفين، واعتبارهما عملية واحدة يعد مغالطة علمية وفنية.
2- أعتبر المتحدث في المقطع أن الدقيق الأبيض يصبح منتج سام كنتيجة حتمية لوجود مركب الألوكسان به حيث اعتبر أن وجود ذلك المركب في الدقيق الأبيض سيكون حتميا وأنه يسبب الضرر للمستهلك بصرف النظر عن نسبته "إن وجد" بالمقارنة مع التركيز الذي ينبغي عدم تجاوزه من ذلك المركب، حيث تجدر الاشارة الى أن مركب الألوكسان لا يضاف إلى الطحين لكنه قد يتكون بنسب ضئيلةٍ جداً اثناء عملية تبييض الطحين نتيجة لتفاعل المادة المبيضة " ثاني أوكسيد الكلورايد Chlorine dioxide " مع بعض مكونات الطحين ، وعليه فإن الجزم بوجود مركب الألوكسان السام في دقيق القمح المعالج بالمبيض أعلاه أمر لا يصح، حيث أظهرت دراسة علمية حديثة وجود الألوكسان في أقل من ربع العينات التي تم فحصها، ومن بينها خليط الكيك المصنوع من القمح المبيض، وبكميات ضئيلة جداً تتراوح بين 0.88 1.0 ملغم/كغم من المادة الغذائية وهي تقل كثيراً عن الجرعة السامة المثبتة في الدراسات العلمية 50 – 100 ملغم/كغم من المادة الغذائية، وهنا تجدر الاشارة الى أن المتحدث في الفيديو لم يتطرق الى النسبة أو الكمية من ذلك المركب وكيف تم اعتبارها ضارة للإنسان بصرف النظر عن تركيزها؟ حيث يجيب على ذلك تقرير من جامعة ماكجيل الكندية يبين أنه لا يوجد إثبات علمي يؤكد أن هذه الكميات الضئيلة "إن وجدت" ضارة بصحة المستهلك. والجدير بالذكر ان عملية تبييض الطحين بغاز ثاني أوكسيد الكلورايد ممارسة شائعة في بعض دول العالم ولا يوجد ما يمنع من استخدامها.
تشير مكونات الخليط المشار إليه في مقطع الفيديو أنه عبارة عن خليطا من أحد عشر عنصراً من العناصر الغذائية الصغرى "الفيتامينات والمعادن" وهي فيتامينات (أ) و (د٣) والثيامين (ب١) والريبوفلافين (ب٢) والنياسين (ب٣) والبيرودوكسين (ب٦) والكوبالامين (ب١٢) وحمض الفوليك ومعادن الكالسيوم والزنك والحديد، حيث أن إضافة هذا الخليط الى دقيق القمح الأبيض يعد جزءاً من برنامج تدعيم القمح وإثرائه بالعناصر الغذائية الصغرى (الفيتامينات والمعادن) التي فقدت اثناء عملية تكرير دقيق القمح، وهي العملية التي تتم فيها إزالة القشور والأجزاء الصلبة عن حبة القمح، ومن المعلوم أنه يتم إزالة ما يقارب الثلث من مكونات حبة القمح والمتمثلة بالقشور والنخالة المحيطة بحباته خلال عملية التكرير وانتاج الدقيق منه، وعليه فان دقيق القمح هنا يفقد غالبية العناصر الغذائية الصغرى المركزة في تلك القشور وهي العناصر المذكورة سابقاً باستثناء فيتامينات (أ) و (د) و (ب12) القليلة أو المنعدمة أصلاً في حبات القمح، وعليه فإن إضافة تلك العناصر إلى دقيق القمح خطوة متقدمة في منع الإصابة بنقص العناصر الغذائية بين فئات المجتمع وخاصة تلك المهددة بخطر النقص كالأطفال والحوامل والمرضعات وكبار السن.
على الرغم من افتقار القمح أصلا إلى فيتامين (أ) و (د) و (ب١٢) واحتوائه على كميات قليلة من الكالسيوم والزنك والحديد، إلا أن إضافة تلك العناصر النزرة إلى دقيق القمح الأوسع انتشاراً والأرخص سعراً يسهم وبشكل فعال في تحسين الحالة التغذوية للمجتمع ويقلل من حالات العوز الغذائي فيه وما ينتج عن نقص تلك العناصر الغذائية من الإصابة بعدد كبير من الاعتلالات الوظيفية والأيضية والتشوهات الخلقية.
3- تم إظهار التحذير الذي يظهر على صورة بطاقة البيان بصورة غير صحيحة، حيث أن تلك البطاقة تخص خلطة Premix التدعيم التي تمت في الأردن، حيث قامت الأردن بتطبيق عملية التدعيم أو الإثراء Fortification للدقيق قبل حوالي عشر سنوات وتحت إشراف الامم المتحدة وبالتعاون مع عدد من الخبراء المحليين والدوليين، وهو ما يُستبعد معه فرضية العمل المقصود لإيذاء المستهلكين في صحتهم، وهنا يبرز السؤال حول تعمد اظهار علامة السمية الظاهرة على غلاف الخليط المذكور، والجواب هو أن تلك الخلطة يتم وضعها بمقدار ٢٥٠ غم لكل طن مكعب من القمح المطحون، كما هو ظاهر وبشكل جلي على الغلاف، وعلى الرغم من ضآلة ذلك الكم في طن القمح إلا أن تناوله من قبل الإنسان بشكله المركز هذا يعد خطراً نظراً لتوفر تلك العناصر في الخليط الأصلي بكميات كبيرة جداً تفوق حاجة الإنسان إليها بمئات الأضعاف، ما يجعلها شديدة السمية له وللبيئة الحياتية المحيطة بها، حيث أن علامة السمية على الغلاف تعني أن هذا الخليط معد للإضافة الى كمية محددة من الدقيق وليس استهلاكه مباشرة.
4- تضمن المقطع الادعاء بالتسبب بنقص العناصر المعدنية (المغنيسيوم وبعض المعادن الأخرى التي تم الاشارة اليها)، والتي لم يفصح فيها المتحدث عن طبيعة النقص ومكان حصوله (في الغذاء أم في الجسم) وكيف يحصل، وهو ما لا يمكن الرد عليه نظراً لعدم وضوحه، لكنه يدل على عدم فهم وإدراك لحقيقة هذا التأثير السلبي لدى المتحدث، حيث يعتقد بان ذلك مستبعداً نظراً لشيوع استخدام الدقيق المعالج وقلة انتشار النقص من تلك العناصر المعدنية المذكورة.
5- يوجد العديد من المواد المبيضة التي قد تضاف الى الطحين فبعضها يسمح به وبعضها الأخر يمنع استخدامه، حيث قد يختلف ذلك من دولة لأخرى حسب القوانين والتعليمات المعمول بها في كل دولة، ومن تلك المواد ثاني أكسيد الكلور والذي تناوله المتحدث في الفيديو بشكل غير دقيق، حيث أن الخبز الأبيض يكون معد من طحين منزوع الأجنة، فكيف ستتأثر أجنة القمح بثاني أكسيد الكلور وهي أصلا غير موجودة، كما أن غالبية ثاني أكسيد الكلور تتطاير خلال المعاملات الحرارية الجارية خلال عملية الخبز.
6- نتفق مع المتحدث في الفيديو في جزئية واحدة وهي أن الخبز الأسمر أفضل من الخبز الأبيض بالعموم، وذلك لأن الخبز الأسمر يحتوي على ألياف وفيتامينات وبعض الأملاح المعدنية اضافة الى النشأ وبروتين القمح بينما الخبز الأبيض "غير المدعم" يحتوي فقط على النشأ وبروتين القمح، حيث أن عمليات التكرير التي تتم على الطحين المستخدم لإنتاج الطحين الأبيض ينجم عنها ازالة القشور والجنين من حبوب القمح ويتم الابقاء على المكون الداخلي للحنطة أو السويداء والتي تتكون غالبا من الجزء النشوي وهو مصدر للطاقة بالإضافة الى بروتين القمح، وعليه فان الخبز الأبيض “غير المدعم" سيخلو من العناصر الغذائية الأخرى الموجودة في القمح.
رغم أن الخبز الأسمر أفضل من الخبز الأبيض "غير المدعم" كما ورد أعلاه الا أنه ليس مصدرا للمغذيات الأساسية المطلوبة للإنسان، حيث أن الاثنين "الخبز الأسمر والابيض" يعدان من المصادر الاساسية للطاقة وبروتين القمح ولا بد للمستهلك من اتباع قواعد التغذية السليمة التي ينادي بها الجهاز للحصول على جميع المغذيات الأساسية التي يحتاجها.
في الختام فإن هذه المطالعة تطرقت الى ما جاء في ذلك المقطع بهدف توضيح الحقائق وإزالة اللبس الذي تسبب فيه ذلك المقطع كما هو الحال في مقاطع وشائعات أخرى يتم تداولها وتحدث حالة من الارتباك والريبة والتشكك في الغذاء ومكوناته وطرق تصنيعه دون وجود دليل علمي على تلك الادعاءات التي يتم الحديث عنها في تلك المقاطع والتي يحاول من يقف خلفها ترويجها بين عامة الناس باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وليس من خلال إظهار الحجة العلمية ومناقشة أهل العلم صراحة في المحافل العلمية والمؤتمرات والدوريات العلمية المحكمة، وهنا يرجو جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية من الجمهور الكريم ضرورة التحقق قبل نشر أي من تلك المقاطع وأهمية الرجوع إلى الجهات المختصة وذوي الاختصاص والخبرة، حفاظاً على مصلحة الناس ودرءاً لانتشار المغالطات والإشاعات، وحماية لعقولهم من التشويه والتحريف الذي تسببه تلك المقاطع.